"الخطوة التالية في برنامجنا الفضائي هي نحو المريخ. وهو التحدي الذي وضعناه نصب أعيننا منذ السنوات الثلاثين المنصرمة. في الماضي السحيق، كانت الظروف على المريخ مشابهة للظروف على الأرض في مراحلها المبكرة. والآن، لدينا (أعين) و (آذان) على سطح هذا العالم الجديد. لقد أثارت عربات المريخ الجوالة مخيلتنا. وهي تحمل كل مواصفات المستكشفين القدامى بكل ما في الكلمة من معنى".
منذ ثلاثين عاماً، كتب كارل ساجان هذه الكلمات، وهو يحث على استمرار تمويل برامج ناسا في الميزانية الحكومية الأمريكية. ولكن، ما زالت هناك عوائق تقف في طريق استكشافنا، وفهمنا، وغزونا للكوكب الأحمر.
تُعتبر الولايات المتحدة الأولى على العالم في مجال الصناعات الفضائية. ولقد كانت في صدارة استكشاف النظام الشمسي، وتطوير الأقمار الصناعية للأغراض التجارية، العسكرية والاتصالات. نحن قادرون على الوصول إلى القمر والمريخ، ولكن يبدو أننا لا نستطيع (أو لا نريد) أن نبقى هناك كثيراً. وبدلاً من هذا، ننفق مليارات الدولارات على المغادرة والعودة مرة أخرى.
حتى نبني على المريخ، ونبقى عليه، ونتوسع لاحقاً نحو عوالم أخرى، يجب أن نتغلب على عائقين كبيرين. أولاً: إن تأسيس وجود دائم في الفضاء يتطلب تطوير بنى تحتية فضائية. إننا قادرون على الوصول إلى المريخ بـ(أعيننا) و(آذاننا)، وتُمثّلها مسابرنا الفضائية، ولكننا لن نتمكن من الوصول إليه أو البقاء عليه بشكل مادي فعلي قبل أن نؤسس مشروعاً بشرياً حقيقياً على المريخ، وصناعة، وحضوراً يعمل بشكل مستمر بعيداً عن الأرض.
أما العائق الثاني فهو السبب فيما يتعلق بتأسيس وجود بشري دائم في الفضاء.
كي نستكشف الكوكب الأحمر، ونفهمه، ونبني عليه، فإننا بحاجة إلى حافز اقتصادي.
إذاً، ما الخطوة التالية؟ كيف نحافظ على وجود بشري بعيداً عن الأرض؟ كيف يمكننا أن نستثمر الموارد الموجودة في النظام الشمسي، إن كنا غير قادرين على البقاء في الفضاء لمدة أطول من رحلة الذهاب والإياب؟
في النصف الماضي من القرن العشرين، كان لدينا ثلاثة أجوبة حقيقية لهذا السؤال: المختبر الفضائي المداري، المختبر السماوي (سكاي لاب)، وفريدوم. وهي جميعاً مشاريع لإقامة محطات فضائية قابلة للسكن. ولكن، تم إلغاؤها جميعاً بسبب عوائق اقتصادية. باستثناء واحد فقط.
رحلة طويلة نحو أعماق الفضاء

تم إطلاق مشروع المحطة الفضائية فريدوم في 1994، وتم تحويلها في نهاية المطاف إلى محطة فضائية أكبر، ولا تزال في الخدمة اليوم باسم مختلف. حيث تم دمج بنية فريدوم مع بنية مشروع محطة الفضاء التابع لوكالة الفضاء الاتحادية الروسية (مير2)، وتحولا بعد ذلك إلى الجزء المداري الروسي والجزء المداري الأمريكي من محطة الفضاء الدولية (ISS).
مثّل المشروعان الروسي والأمريكي - اللذَيْن تم إلغاؤهما - أول جهد مشترك للانطلاق بعيداً عن الأرض.
هل تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على صدارتها في تطوير الصناعات الفضائية؟ هل تستطيع أن تبني محطتها الفضائية الخاصة كخطوة أولى إلى أعماق الكون؟ لنتخيل هذا.
صورة للأرض من محطة الفضاء الدولية. حقوق الصورة: ناسا/ محطة الفضاء الدولية.
صورة للأرض من محطة الفضاء الدولية. حقوق الصورة: ناسا/ محطة الفضاء الدولية.
يمكن لمحطة الفضاء هذه أن تعمل - من الناحية القانونية - تماماً مثل تيانجونج 1 و2. وقد كانت محطتا الفضاء تيانجونج (ويعني الاسم: القصر السماوي) المحطات الفضائية الوحيدة المأهولة، إضافة إلى محطة الفضاء الدولية. وعلى الرغم من حجمها الصغير، فإنها تعتبر بأي حال كياناً تابعاً للحكومة الصينية. ويمكن أن نقول بكلمات أخرى - وإن لم تكن دقيقة قانونياً - بأن المحطتين تيانجونج هما مدينة صينية في الفضاء.
سيتم اعتبار أي تطويرات من قبل الولايات المتحدة على أنها المقابل الأمريكي لهذه "المدينة"، أي مدينة فضائية أخرى، وهو تصميم درسته ناسا منذ أكثر من ربع قرن. ولن تكون محطة الفضاء الأمريكية مجرد مختبر علمي، بل قاعدة مركزية للأنشطة الاقتصادية الأمريكية، مثل تعدين الكويكبات والطاقة الشمسية الفضائية (1). وفي المحصلة، فإن الهدف الأساسي من هذه المحطة الفضائية الجديدة هو تأسيس صناعة في الفضاء، وتزويد المؤسسات المتفرعة بالموارد اللازمة للبدء بالنشاط الاقتصادي بعيداً عن الأرض. ستكون محطة الفضاء الأمريكية تحقيقاً لثلاثة مشاريع فاشلة من ناسا لاستيطان النظام الشمسي.
التخفيف من التكاليف الفضائية
تسارعت تطورات النشاطات الاقتصادية في الفضاء، مثل الطاقة الشمسية الفضائية وتعدين الكويكبات، ويمكن لهذا أن يؤدي إلى تقنيات لتسهيل العمل في الفضاء، وذلك بالسماح للشركات بالحصول على مردود من نشاطها.
حالياً، إرسال رطل واحد إلى الفضاء يكلف ملايين الدولارات، سواء أكان هذا الوزن عبارة عن حواسيب، أو مياه، أو بشر. يمكن اعتبار الطاقة الشمسية الفضائية حافزاً اقتصادياً قد يمكّننا من الحصول على طاقة مستدامة ومتجددة ولا تطلق غازات الدفيئة، أو أية مخلفات خطيرة، ومتوافرة طوال الوقت. إضافة إلى هذا، فإن التعدين الفضائي قد يمكّننا من الحصول على معادن وموارد نادرة على الأرض، وهي مواد محدودة الوجود على الأرض، وتستخدم في كل شيء، ابتداء من السيارات الكهربائية ووصولاً إلى الشرائح الحاسوبية.
ومن المصادر التي يمكن استخراجها أو تعدينها: الحديد، والنيكل، والتيتانيوم، والماء، والمعادن النادرة، والأوكسجين، والهيدروجين. يمكن استخدام هذه الموارد من أجل حياة رواد الفضاء على موقع العمل، وصنع الوقود الدافع الصاروخي، وإرسال المواد إلى الأرض.
نلاحظ في مجال الاستكشاف الفضائي أن استخدام الموارد التي يتم الحصول عليها أثناء الرحلة يسمى باستخدام الموارد المحلية، وهو يلغي الحاجة إلى استخدام صواريخ تعتمد على الكيمياء في عملها، وبكلفة مليارات الدولارات، لجلب هذه المواد الأساسية من الأرض.
إن هذه الصناعة الفضائية هي جبهتنا الجديدة. ولا تقتصر فائدة بناء موطن بين النجوم على ابتكار تقنيات تسهل مغاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق